إدارة المعرفة في المنظمات غير الربحية
أساس متين لتحقيق الأثر المجتمعي المستدام

تشير الدراسات إلى أن المنظمات التي تعتمد على أنظمة فعالة لإدارة المعرفة تحقق معدلات نجاح أعلى بنسبة 35% مقارنةً بتلك التي لا تطبق هذا النهج كما أن الاستثمار في إدارة المعرفة يزيد من كفاءة المنظمات غير الربحية التشغيلية بنسبـــة تصل إلى 30% مما يعزز قدرتها على تقديم خدماتها بفاعلية حتى مع محدودية الموارد، هذه الأرقام تبــرز أهمية إدارة المعرفة كأداة رئيسية لتعزيز الأداء وزيادة الأثر المجتمعي وضمان استدامته.
في عالم سريع التغير تجد المنظمات غير الربحية نفسها في سباق دائم للتكـيف مع المستجدات وتقديـم حلول مبتكرة لتحديات مجتمعية معقدة وهنا يأتي دور إدارة المعرفة كوسيلة لتحويل المعلومات والخبرات إلى قرارات فعالة تحقق نتائج ملموسة، لكن ما هي إدارة المعرفة؟ وكيف يمكن للمنظمات غير الربحية تبني هذا المفهوم والاستفادة منه؟
إدارة المعرفة هي عملية تهدف إلى جمع وتوثيق وتنظيم وتوزيع المعرفة داخل المنظمة بحيث يتمكن الموظفون من الوصول إلى المعلومات الضرورية عند الحــاجة مما يعــزز عملية اتخاذ القرارات ويزيد من فعالية الأداء.
تنقسم المعرفة داخل المنظمة إلى نوعين رئيسيين:
- المعرفة الصريحة:
وهي التـي تتضمن الوثائق والتقارير المكتوبة.
- والمعرفة الضمنية:
وهي التـي تشمل التجارب والخبرات الشخصية. وللمنظمات غير الربحية.
رغم الفوائد الكبيرة لإدارة المعرفة تواجه المنظمات غير الربحية تحديات تعيق تطبيق هذا المفهوم بشكل فعّال، أحد هذه التحديات هو محدودية الموارد، حيث تجد الكثير من المنظمات صعوبة في توفير التمويل اللازم لبناء أنظمة متكاملة لإدارة المعرفة.
وهناك أيضًا تحدي التنقل الوظيفي المرتفع؛ حيث تعتمد المنظمات على المتطوعين وتواجه معدلات دوران وظيفي عالية مما يؤدي إلى فقدان الخبرات والمعرفة عند مغادرة الأفراد، كما تفتقر بعض المنظمات إلى ثقافة مشاركة المعرفة، مما يؤدي إلى تشتـت المعرفـة وعدم توزيعها بشكـل كـافٍ داخل المنظمة، كذلك قد ينظر البعض إلى إدارة المعرفـة على أنها ليست من الأولويات مقارنة بتقديم الخدمات المباشرة ما يحد من استثمار الوقت والموارد في هذا المجال.
للتغلب على هذه التحديـات، يمكن للمنظمـات غيـر الربحية تبـني استـراتيجيات مرنـة وفعّـالة تتنـاسب مع احتياجاتـها مثـل إنشاء مكتبة رقمية للمعرفة تحتوي على الأبحاث والتقارير والدروس المستفادة من المشاريع السابقة ما يسهل الوصول إلى المعلومات المهمة ويضمن توفرها بشكل دائم، كما يمكنها توثيق الخبرات الميدانية التي يكتسبها الموظفون والمتطوعون حيث تشكل هذه الخبرات مصدرًا غنيًا للمعرفة التي يمكن الاستفادة منها مستقبـلاً، إضـافة إلى ذلـك يمكن استخدام التكنولوجيا منخفضة التكلفة، مثل أدوات Google Workspace وTrello التي تتيح للفرق العمل معًا وتبادل المعلومات بمرونة وبتكاليف قليلة.
يعد تعزيز ثقافة التعلم والمشاركة جزءًا أساسيًا من نجاح إدارة المعرفة؛ فبإمكان القيادة دعم هذه الثقافة عبر تنظيم ورش العمل وجلسات التدريب التي تتيح للأفراد تبادل الأفكار والخبرات بسهولة.
عند تبني هذه الاستراتيجيات يمكن للمنظمات غيـر الـربـحية تحقيـق فوائد ملموسة، زيادة الكفاءة التشغيلية واحـدة من هذه الفوائـد؛ حيث تساعد إدارة المعرفة في تحسين العمليات الداخلية وتقليل الوقت المستغرق للعثور على المعلومات أو إعادة ابتكار الحلول مما يعـزز من كفـاءة استخـدام الموارد، كما تسهـم إدارة المعرفة في تعزيز القدرة على الابتكار عبر توفير قاعدة معرفية متكاملة تدعم التفكير الإبداعي وحل المشكلات بطريقة جديدة، وعلاوة على ذلك تتيح إدارة المعرفة ضمان استدامة الأثر الاجتماعي من خلال تراكم المعرفة والحفاظ على الخبرات المهمة حتى مع تغير الأفراد.
تمكن إدارة المعرفة المنظمة من التكيف مع التغيرات البيئية بسرعة أكبر، مما يسمح لها باتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على معرفة دقيقة وموثوقة.
في ظل استمـرار التطـور التقنـي يــزداد الطلـب على إدارة المعرفــة مما يفتـح أبوابًا جديدة للتحديــات والفرص المستقبليـة، من بين هذه التحديات التطور التكنولوجي السريع الذي يتطلب من المنظمـات الاستثمـار فـي تقنيات جـديـدة وتـدريـب الموظفيـن باستمرار، وهناك أيضًا التحول نحو الاقتصاد المعرفي الذي يجعـل من المعرفة الضمنية (التجارب والخبرات) جزءًا أساسيًا يتطلب استراتيجيات مبتكرة لتوثيقه ونقلـه، أما على صعيـد الفرص فقد أصبـح بإمكـان المنظمات غير الربحية التعاون مع بعضها البعض وتبادل المعرفة عبر شبكات تواصل رقمية مما يتيح تعزيز الأثر الجماعي وتحقيق الأهداف المشتركة بفاعلية أكبر.
إجمالاً تعتبر إدارة المعرفة أداة ضرورية يمكن للمنظمات غير الربحية الاستفادة منها لزيادة أثرها وتعزيز استدامته من خلال بناء نظام معرفي متكامل يعتمد على جمع وتنظيم وتوزيع المعرفة، يمكن لهذه المنظمات تجاوز تحديات الموارد المحدودة والاستفادة من الفرص المتاحة لتقديم حلول مبتكرة وفعّالة للمجتمع.